وعي بلا حدود

 

 

وعي بلا حدود

يعد الوعي أحد أهم جوانب الحياة، وهو في سياق التفسيرات العلمية يشكل لغزاً ما يزال العلماء على مد العصور يتلمسون خيوطه في بحر من الظلام، ولا تكاد تجد إجابة علمية واضحة أو دقيقة حوله بالرغم من ذلك يعد الوعي أحد المعجزات الكونية العميقة فهو لا يقتصر على حدود وعي الفرد او وعي المجتمعات او الامم أو الكائنات بكافة أشكالها؛ إنه أمر كوني له علاقة وطيدة بكل ما يحرك الكون ويصنع تفاصيله

هناك من ينظر للوعي على أنه شكل من أشكال تحدي الكون، فكما منحنا الله وعياً لا حدود له يشمل مراتب وقدرات من الخيال والتأمل والتفكر الذي يتسع بشكل لا يمكن حصره بالمقابل خلق الله كون مادي يتسع بشكل هائل لا حدود له هو الكون العظيم بأجرامه ومجراته ومساواته وكواكبه ونجومه ، فمثلما تملك أيها الإنسان وعياً وخيالاً لا حدود له بالمقابل سيخلق الله كوناً مادياً لا حدود له هو الانعكاس المادي المحسوس لقدرات الوعي التي لا حدود لها.

إن الوعي ليس مقصوراً على الانسان فحسب. إنه موجود في كل شيء من حولنا. في الكائنات الحية وفي الأحجار والأشجار والأنهار والطيور والحشرات والوحوش البرية، ولو تأملنا- على سبيل المثال-  في النحل لوجدنا هذا الكائن الصغير يمتلك وعياً خاصاً يقوده لأعمال ووسائل وطرق لإنجاز أمور تتطلب قياسات رياضيه وهندسه متناهيه الدقة، ولذلك عندما نشاهد خلايا النحل بأشكالها السداسية المنتظمة يمكن أن نستنتج بسهولة أن هذه الحشرات تمتلك وعياً ضمنياً توارثته جيلاً بعد جيل لصنع هذه المنتجات الغاية في الدقة والجمال.

وإذا رجعنا بالزمن ملايين السنين لوجدنا كائنات حية كانت تعيش فتره طويله جداً من الوقت زاحفة على الأرض، ولكنها في حاله من التطور القسري نبتت لها أجنحة وأصبحت كائنات طائره. إنها قفزة نوعية لهذه الزواحف فهي لم تبدأ من مرحله إلى أخرى حتى تصل إلى مرحله الطيران وإنما حدث لها نوع من الوعي الذي حتم عليها الطيران وكسر قانون الجاذبية. وبالمثل نجد حجارة وصخور تتحول عبر فترات طويله من الزمن إلى كرستالات شفافة أو أحجار كريمة، وفي حالات أخرى تحت عوامل شديدة التعقيد نجد أنها تتحول إلى ألماس، أو غيرها من الانتقالات والقفزات النوعية من التطور.

هذا بدوره يطرح أمامنا مفاهيم وأفكار في غايه الأهمية علينا نحن البشر أن نؤمن بها؛ والسؤال هل من الممكن للإنسان أن يحصل على قفزة نوعية تجعله ينتقل من مرحلة إلى مرحلة أخرى كلية وشاملة، وتجعله يعيش في بعد أوسع وأرحب وأكثر خيارات وإمكانيات. على المستوى النظري ليس للإنسان من سبيل إلى ذلك غير الوعي. إذا استطاع الإنسان من المرور بلحظات من الاستنارة والحكمة ستكون وسيلته للانتقال والقفزة النوعية في حياته، ولكن العقبة أمام ذلك أن هذه المفاهيم عن الوعي لا تدرس في المدارس وليس لها مناهج محددة بل إن طبيعة الحياة الثقافية والاجتماعية والمعرفية الإنسانية تحول من قدره الانسان على فهم الوعي والإيمان بمستوياته ومراحله ومراتبه التي لا حدود لها بهذا الكون الفسيح.

ما يستوجب على الشخص أن يتدرج بمراحل عالية من الوعي واتساع الافق الفكري والاستنارة التي تجعله أكثر التحاماً مع الوعي الكوني وهو فضاء واسع على مستوى النطاق المكاني كما أنه شفرة دقيقة موجودة في أصغر خلية بل في أصغر ذرة في أي مادة موجودة على هذا الكون.

تظل تجربة الفوتونات الضوئية أحد أكبر الألغاز العلمية في علم الفيزياء ببساطة اكتشف العلماء أن فوتونات الضوء تتشكل بصورة واعية تثير العجب، فهي في حالتها العادية تعمل كموجات وفي اللحظة التي يتم مراقبتها تتحول الى جسيمات، إنها تجعلنا نرى ما تريد أن نراه فيها.

في هذا الصدد كل ما يحتاجه الإنسان لجعل الوعي حاضراً في حياته أن يؤمن به كحالة كونية، وأنه كفرد عليه أن ينخرط فيه وأن يتصل به اتصالاً وثيقًا، وهذا يعد مجرد انطلاقه حيث يبدأ المشوار الطويل بمراحل الوعي وأولها الوعي بالذات ثم الوعي بالآخرين، وكذلك الوعي باللحظة الراهنة ثم الوعي بمجمل الحياة. يحتاج ذلك إلى زخم من التجارب الحياتية الجيدة، وقراءات مطولة ومتعددة ومتنوعة بالإضافة إلى الاطلاع والاستماع والمراقبة كما يحتاج لشفافية وقدرة فائقة للتحكم بالمشاعر واستظهار الروح والوصول لمراتب المحبة والسلام والقوة والشجاعة والحكمة والتنوير. إن الإنسان في هذا الصدد بحاجة لروحه بقدر حاجته لعقله، ويجب أن ينمو قلبه وأن يغذيه بالإيمان والنقاء ومحبة الله ورجاءه وخشيته وحده، وأن ينظفه من الطمع والحسد والشح والانتقام والخوف. إنها رحله تعد من أهم رحلات الإنسان في الحياة، وفي حالة أنه لم يدركها فهو ببساطة يعيش بمستويات منخفضة جداً من الوعي، وربما في أحيان كثيرة بلا وعي كل ما يتحكم فيه غرائزه البدائية ويلتصق بالأرض التصاقاً يجعله لا يرى أبعد من أرنبة أنفه!

عن مها العرب

شاهد أيضاً

فرحة وطن

  26/2/1991  تاريخ لن ولا ينسى لدى الشعب الكويتي وأجياله حيث نمر في الذكرى ال …

فرحة وطن

  26/2/1991 تاريخ لن ولا ينسى لدى الشعب الكويتي وأجياله حيث نمر في الذكرى ال …

Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com