top of page

الأسواق الناشئة تفقد بريقها..قمر السياسة يحجب شمس الاقتصاد

من بين المصطلحات المختلفة التي تم استخدامها لوصف الاقتصادات الأقل تقدما في العالم، يبدو أن مصطلح الجنوب العالمي أصبح رائجا هذه الأيام. وعلى النقيض، فقد مسمى الأسواق الناشئة بعض ضجيجه.

الأسواق الناشئة تفقد بريقها..قمر السياسة يحجب شمس الاقتصاد

قد يبدو هذا وكأنه تحول عادي من مصطلح صغير من المصطلحات التحليلية إلى آخر. لكن لا، فهذا التحول يشير بهدوء إلى اتجاهين ينبغي للمستثمرين أن ينظروا إليهما بشيء من القلق. الأول هو تراجع النمو الاقتصادي المحتمل في أجزاء كثيرة من العالم النامي. والثاني هو التجزؤ العالمي المقبل ببطء. تشير بيانات محرك جوجل إلى أن عمليات البحث عن مصطلح الجنوب العالمي تجاوزت باستمرار عمليات البحث عن الأسواق الناشئة منذ أوائل 2022. ربما يعد ذلك ظاهرة مؤقتة في أعقاب الحرب الروسية الأوكرانية في فبراير الماضي. لكن استخدام الأسواق الناشئة كمصطلح بحث كان في انخفاض مستمر إلى حد ما منذ عدة أعوام. ينعكس هذا الانخفاض في تدفقات رأس المال الحقيقية. يتمثل أحد مقاييس الانفصال المستمر بين مديري المحافظ الدولية والأسواق الناشئة في انخفاض ملكية المستثمرين الأجانب لسندات الأسواق الناشئة المقومة بالعملات المحلية. في 2016، كان المستثمرون الدوليون يمتلكون ما متوسطه نحو 21 في المائة من السندات بالعملات المحلية في الأسواق الناشئة. والآن أصبح هذا الرقم 13 في المائة فقط. في بعض الدول ـ إندونيسيا أو جنوب إفريقيا، مثلا ـ هذه الانخفاضات نسبية: أي أن كمية السندات المملوكة للأجانب زادت في الأعوام الأخيرة، لكن بمعدل أبطأ من سوق السندات الإجمالية في البلد. لكن في دول أخرى - المكسيك مثلا - فإن هذا الانخفاض مطلق: انسحب المستثمرون ببساطة. وفي كلتا الحالتين، يعد هذا اتجاها مثيرا للقلق. الاقتصادات الناشئة تؤدي أفضل أداء لها عندما تتمكن من تمويل نفسها بعملاتها الخاصة، لذلك فإن الاستثمار الأجنبي في أسواق السندات المحلية هو شكل من أشكال التمويل الخارجي الذي ينبغي الترحيب به. إن أفضل تفسير لتراجع مشاركة المستثمرين في أسواق السندات بالعملات المحلية في الاقتصادات الناشئة هو أنه استجابة لشعورهم بأن إمكانات النمو في هذه الدول تتضاءل في أعقاب طفرة السلع الأساسية وما يمكن أن نطلق عليه ذروة العولمة. فكر بالأمر بهذه الطريقة: إذا شعر المستثمرون بقدر أقل من التفاؤل بشأن معدل النمو المحتمل لبلد ما، فسيصبح من الصعب الاعتماد على ارتفاع قيمة عملة ذلك البلد مع مرور الوقت. وإذا كان ذلك صحيحا، فإن الحجة المؤيدة للاستثمار في أسواق السندات المحلية تضعف، خاصة أن استثنائية الولايات المتحدة لا تزال اتجاها مستمرا في الأسواق المالية. وما يثير القلق بشأن هذا الأمر هو أن مصطلح "الأسواق الناشئة"، رغم عدم دقته، كان مصمما ليخدم هدفا، وهو على وجه التحديد لفت الانتباه إلى الدول النامية بوصفها وجهة لتدفقات رأس المال الدولية. وبعبارة أخرى، كان لهذا المسمى دائما هدف تجاري في الأساس. لكن يبدو أن القيمة التجارية لهذا الاسم آخذة في الانخفاض. أما الجنوب العالمي، في المقابل، هو تسمية لا تخدم هدفا تجاريا، بقدر ما تخدم هدفا سياسيا. ويبدو أن أحد استخداماته الرئيسة هو لفت الانتباه إلى الظلم الملحوظ في النظام العالمي - هيمنة المؤسسات التي شكلتها الولايات المتحدة مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، والدور الضخم الذي يلعبه الدولار والضعف الذي يسببه ذلك للدول النامية، التي يمكنها الوصول إلى الأموال الدولية التي تفيض وتنحسر اعتمادا على القرارات التي يتخذها الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي. من غير المستغرب أن تحب السلطات الصينية بشكل خاص هذا المصطلح. مع ذلك، تواجه بكين بعض المنافسة: إذ يحاول قادة كل من الهند والبرازيل، مثلا، تنصيب أنفسهم بشكل واضح نوعا ما قادة للجنوب العالمي. لذلك، يمكن فهم الشعور الذي يتفوق به مصطلح الجنوب العالمي على مصطلح الأسواق الناشئة على أنه انتصار للسياسة على الاقتصاد، ما يعكس التدافع على النفوذ مع انتهاء فترة ما بعد الحرب الباردة التي اتسمت بالهيمنة الأمريكية العالمية بلا منازع. لكن ينبغي لنا أن نتذكر أن فترة ذروة الهيمنة العالمية الأمريكية ـ عصر إجماع واشنطن (مجموعة توصيات سياسية طرحها الاقتصادي جون ويلامسون للاقتصادات التي عانت أزمات في تسعينيات القرن الماضي) ـ كانت الفترة التي شهدت فيها كثير من الدول النامية أروع اللحظات من حيث التقارب نحو مستويات الاقتصادات المتقدمة من نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي. ورغم عيوبه العديدة، فإن إجماع واشنطن كان عبارة عن جهد صادق إلى حد معقول لتحديد مجموعة من السياسات والمؤسسات الكفيلة بتعزيز تقارب الدخل. قد يكون هناك نظام عالمي في مستقبلنا قادر على إعادة إيجاد ظروف نمو قوي للتجارة العالمية التي تحتاجها الاقتصادات الصغيرة المفتوحة لكي تزدهر. لكن في الوقت الحاضر، يبدو أن المستثمرين يرحلون لأن السياسة هي المسيطرة.


٠ تعليق

Comentários


bottom of page