top of page

الحرب التجارية: هل تكتب الولايات المتحدة شهادة تباطؤ اقتصادها بيدها؟


بقلم : عبدالله الدوسري

عندما قرر الرئيس الأميركي دونالد ترامب فرض رسوم جمركية على واردات الصلب والألمنيوم، لم يكن الأمر مجرد خطوة اقتصادية معزولة، بل كان بمثابة إعلان مواجهة تجارية شاملة مع حلفاء بلاده قبل خصومها. التصعيد الأميركي لم يأتِ من فراغ، لكنه يطرح تساؤلًا جوهريًا: هل هذه السياسات ستعزز الاقتصاد الأميركي، أم أنها ستقوده نحو الركود؟


التعريفات الجمركية: سلاح ذو حدين


تعتمد السياسة التجارية الأميركية الجديدة على مبدأ الحماية الاقتصادية، وهو نهج قد يبدو منطقيًا من منظور داخلي، حيث يساعد الشركات المحلية على منافسة المنتجات المستوردة. لكن في عالم مترابط اقتصاديًا، لا يمكن لمثل هذه القرارات أن تمر دون ردود فعل.


الاتحاد الأوروبي لم يتأخر في الرد، إذ أعلنت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين عن إجراءات مضادة بقيمة 28 مليار دولار، محذرة من أن الخطوة الأميركية تهدد الاستقرار الاقتصادي العالمي. أما كندا، أقرب حلفاء الولايات المتحدة، فلم تكتفِ بالتعبير عن استيائها، بل أعلنت عن فرض رسوم انتقامية تتجاوز قيمتها 20 مليار دولار. الصين، بدورها، تعهدت باتخاذ “كل التدابير اللازمة” لمواجهة الرسوم، فيما أبدت اليابان أسفها لاستثنائها من الإعفاءات.


هذه الردود الجماعية تكشف حقيقة واحدة: لا أحد مستعد للتنازل في هذه المعركة التجارية، وهو ما قد يجعل تداعياتها تتجاوز مجرد خلاف اقتصادي لتصبح أزمة عالمية تهدد النمو والاستقرار.


من المستفيد ومن المتضرر؟


على المدى القصير، تبدو شركات إنتاج الصلب في الولايات المتحدة الفائز الأكبر، حيث ارتفعت قيمة أسهمها بعد فرض الرسوم. لكن هذه المكاسب قد تكون آنية، لأن الصناعات الأخرى التي تعتمد على الصلب، مثل شركات السيارات والطيران ومواد البناء، ستواجه تكاليف أعلى، مما سيؤثر على قدرتها التنافسية.


غاري هوفباور، الخبير الاقتصادي في معهد بيترسون بواشنطن، يرى أن هذه السياسات قد تتسبب في إرباك الاقتصاد الأميركي. فالولايات المتحدة لا تنتج ما يكفي من الألمنيوم، وهي تعتمد بشكل كبير على الواردات من كندا والصين وأوروبا، ما يعني أن الشركات الأميركية ستدفع ثمنًا باهظًا جراء هذه الإجراءات.


أما على مستوى الأسواق المالية، فقد انعكس القلق فورًا على قيمة الدولار، الذي واجه صعوبة في الارتفاع أمام العملات الرئيسية، مع تزايد المخاوف من أن السياسات التجارية الجديدة قد تدفع الاقتصاد الأميركي نحو مرحلة من التباطؤ.


هل تكرر أميركا أخطاء الماضي؟


تاريخيًا، لم تكن هذه هي المرة الأولى التي تلجأ فيها الولايات المتحدة إلى سياسات الحماية الجمركية. في ثلاثينيات القرن الماضي، فرضت إدارة الرئيس هربرت هوفر رسومًا جمركية على مئات المنتجات المستوردة، فيما عُرف بـ “قانون سموت-هاولي”، وهو إجراء ساهم بشكل كبير في تفاقم الكساد الكبير آنذاك.


اليوم، يبدو أن الولايات المتحدة تعيد تجربة مشابهة، لكن مع مشهد اقتصادي أكثر تعقيدًا، حيث أن القوى العالمية الأخرى أصبحت أكثر استعدادًا للرد بالمثل، مما يجعل أي خطوة أميركية غير محسوبة قد ترتد على واشنطن نفسها قبل غيرها.


مستقبل العلاقات التجارية: إلى أين تتجه الأمور؟


مع استمرار التصعيد، أصبح من الواضح أن هذه الحرب التجارية لن تكون قصيرة الأمد، وأن تداعياتها ستتجاوز مجرد ارتفاع الأسعار أو خسائر الشركات. العالم اليوم يعيش في اقتصاد مترابط، وأي اضطراب في دولة بحجم الولايات المتحدة سينعكس على الجميع.


ويبقى السؤال الأهم: هل سيتراجع ترامب عن نهجه كما فعل سابقًا مع كندا والمكسيك؟ أم أن العناد السياسي سيقود الولايات المتحدة إلى عزلة اقتصادية قد تكلفها مستقبلها كقوة اقتصادية عظمى؟ الأيام المقبلة وحدها ستكشف الإجابة.

Comments


©2020 by ALARAB-KW

bottom of page