الصينية في المدارس السعودية.. خطوة استراتيجية نحو المستقبل

الرياض - (أ ف ب) – بين خريطة حمراء للصين تزين الحائط وكتاب دراسي مفتوح على الطاولة، يتفاعل الطالب ياسر الشعلان بحماسة مع اللغة الصينية، التي أدرجتها السعودية رسميًا في مناهجها المدرسية الحكومية هذا العام، في خطوة تعكس عمق الشراكة المتنامية بين الرياض وبكين.

إدراج اللغة الصينية في المدارس يمثل أحدث مؤشرات التقارب بين السعودية والصين، التي تُعد أكبر مستورد للنفط السعودي. وبالنسبة للشعلان، البالغ من العمر 14 عامًا، فإن تعلم الصينية يمنحه “ميزة تنافسية” في المستقبل، حيث يقول بثقة: “قد تأتي المزيد من الشركات الصينية إلى السعودية. الطلاب الآخرون يتعلمون الإنجليزية، لكنني سأكون قادرًا على التحدث بالعربية والإنجليزية والصينية، وهذه ميزة كبرى”.

نهج تعليمي حديث في قلب الرياض

بدأت السعودية تدريس اللغة الصينية (الماندرين) في ست مناطق كمرحلة أولى، لتكون لغة أجنبية ثانية بعد الإنجليزية، بدءًا من الصف الأول الإعدادي وحتى الثالث الثانوي خلال السنوات المقبلة. ويتلقى الطلاب ثلاث حصص أسبوعية على يد معلمين صينيين يتحدثون العربية بطلاقة.

في مدرسة يزيد بن أبي عثمان بحي العارض شمال الرياض، وعلى مقربة من فرع شركة “علي بابا” الصينية العملاقة، كان الشعلان وزملاؤه يتعلمون كلمات تصف الوظائف والمشاعر عبر سبورة إلكترونية تفاعلية. ورغم صعوبة اللغة، التي تضم آلاف الرموز، تفاعل الطلاب بحيوية مع أسئلة معلمهم، الذي يعتمد أساليب تدريس حديثة مثل الألعاب التحفيزية والإشارات البصرية لجعل التعلم أكثر سهولة ومتعة.

يقول الشعلان: “في البداية كانت صعبة، لكنها الآن ممتعة. حتى في المنزل، بدأت أستخدم بعض الكلمات الصينية مع والديّ، وألجأ لليوتيوب عندما أحتاج إلى معرفة كلمة جديدة”.

الصينية.. لغة المستقبل الاقتصادي

تمثل اللغة الصينية إحدى أكثر اللغات انتشارًا في العالم، حيث يتحدث بها أكثر من 1.1 مليار شخص. وجاء قرار السعودية بإدراجها في المناهج استجابة لرؤية استراتيجية تهدف إلى تعزيز الروابط الاقتصادية والثقافية مع الصين.

وكان ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان قد أعلن في 2019، عقب زيارته إلى بكين، عن خطة لإدراج اللغة الصينية في جميع المراحل التعليمية. وسرعان ما أطلقت الجامعات السعودية برامج متخصصة في تعليمها، إذ تُدرَّس حاليًا في أربع جامعات سعودية، بينما افتتحت جامعة الأمير سلطان بالرياض أول فرع لمعهد “كونفوشيوس” لتعليم الصينية في المملكة عام 2023.

ويرى مدير المدرسة، سطام العتيبي، أن تعلم الصينية لم يعد خيارًا، بل ضرورة استراتيجية، حيث يؤكد: “الصين رائدة في الاقتصاد العالمي، والعالم يعتمد عليها في كثير من الصناعات، لذا فإن تعلم لغتها يفتح آفاقًا واسعة أمام الأجيال القادمة”.

العلاقات السعودية - الصينية.. شراكة متنامية

تشكل الصين الشريك التجاري الأول للسعودية، حيث تجاوز حجم التبادل التجاري بين البلدين 100 مليار دولار في عام 2023. وتُعد بكين أكبر مستورد للنفط السعودي، مما يجعل العلاقات الاقتصادية بين البلدين ذات أبعاد استراتيجية عميقة.

ولم تقتصر الشراكة على الاقتصاد، بل امتدت إلى السياسة والاستثمار. فقد لعبت الصين دورًا رئيسيًا في التقارب بين السعودية وإيران عام 2023، كما شهدت السنوات الأخيرة زيارات متبادلة رفيعة المستوى، وتوقيع اتفاقيات استثمارية بمليارات الدولارات.

وفي إطار تعزيز هذه الشراكة، وصلت دفعات من المدرسين الصينيين إلى السعودية، فيما تخطط الرياض لإرسال معلمين سعوديين إلى الصين للتدريب على تدريس اللغة الصينية.

يقول الباحث في السياسة الخارجية السعودية بجامعة برمنغهام، عمر كريم: “العلاقة مع الصين أصبحت من أهم العلاقات بالنسبة للسعودية، نظرًا لاعتمادها الكبير على سوق الطاقة الصيني. كما أن تعلم اللغة الصينية يمنح المواطنين السعوديين ميزة في التعامل مع المستثمرين والشركات الصينية مستقبلاً”.

مستقبل مشرق للغة الصينية في السعودية

مع تزايد الحضور الصيني في المشهد الاقتصادي السعودي، بات من الضروري إعداد جيل جديد قادر على التواصل بلغتها. وفي ظل تنامي الاستثمارات الصينية في مختلف القطاعات، يعزز تدريس اللغة الصينية في المدارس السعودية مكانة المملكة كلاعب رئيسي في الاقتصاد العالمي.

وكما يشير الخبراء، فإن تعليم الصينية لا يرتبط فقط بتعزيز العلاقات التجارية، بل يعد خطوة استراتيجية تواكب صعود الصين كقوة تكنولوجية عالمية. وكما هو الحال مع الإنجليزية، قد تصبح الصينية في المستقبل إحدى اللغات الرئيسية للتواصل الدولي.

في النهاية، يبدو أن قرار إدراج اللغة الصينية في المناهج السعودية ليس مجرد خطوة تعليمية، بل استثمار استراتيجي يفتح آفاقًا جديدة أمام الطلاب السعوديين، ويضع المملكة في موقع متقدم ضمن معادلة الاقتصاد العالمي المتغير.