top of page

النفع والضر وعلم الغيب

هذه ثلاثة محاور تهم الإنسان، وتشغل عقله، وحولها يدور تفكيره، أولها النفع، الذي يحبه لنفسه ويسعى لتحقيقه وجذبه إليه بكل ما يملك من قوة وحيلة، ويحزن حزناً شديداً إن فاته نفع وعَجِز عن إدراكه، أو فرَط من النفع جزء ولو كان قليلاً، وثانيها الضر، الذي ينفر منه ويتجنبه ويود ألا يصيبه منه شيء، وأن يسلم من شروره، ما دام حيا، وثالثها الغيب الذي لا يعلم ما يخفيه وما يطويه بردائه، ولذلك فهو يخافه ونفسه على توجس وقلق من مُعمّياته وخوافيه.

النفع والضر وعلم الغيب

لا أعدو الحقيقة إذا قلت إن هذه المسائل الثلاث تمثل حياة الإنسان وصراعه فيها وما يعانيه ويتقلب به من مشاعر شتى، تستحوذ على نفسه ما بين هموم وأحزان ومخاوف وأفراح، تغدو وتروح مراوحةً بين ثلاثة مراكز هي الرجاء والخوف والأمل.


أتعلم ما خلاصك أيها الإنسان من تلك الشؤون الكثيرة الشجون، التي توزعت عندها نفسك، وتشتت قلبك، فأمسيت حائر العقل، مستطير الجنان، قد استبد بك القلق والنَصَب؟.


اقرأ الآية 188 من سورة الأعراف:(قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضَرا إلا ما شاء الله ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء).


صُدّرت الآية بكلمة (قل)، أي قل يا محمد، وهو رسول الله، عليه الصلاة والسلام، المؤيد بالوحي والمعجزات، فما ظنك إذن بسائر البشر، أليسوا هم أولى بهذا القول الذي يقرر حقيقة من الحقائق الواقعة بحياة الإنسان، حقيقة لها شأن عظيم، متى استوعبها القلب، واستقرت بحناياه، اطمأنت شرايينه، وهدأ نبضها.


كم ذهبت النفس حسرات إثر نفع فائت، تاقت إليه، وتبعته طمعاً، فلما فاتها غطّاها غباره، وملأها حزنا واكتئاباً.

كم طارت النفس فزعاً، وقد حل بها ضر، نزل منها منزلة المستنقع من الأرض، لا يُحمد أثرُه، ولا يرجى خيره، وإنما هو مَباءة ٌلكل ما يسوء ويؤلم، فصار الضر أضراراً.


كم باتت النفس وجلة قلقة، وهي تستطلع الغيب، وتمد عيونها لاستشراف قوافله وسحائبه، رجاء حلولها وهطولها، وخوفَ احتجابها وغيابها، والغيب عالم مجهول لا يعلم إنسان مهما اجتهد حدسه وعقله، بماذا سيأتي، وماذا سينشر أو يطوي.


من هنا فالإنسان لو أنصف نفسه ورحمها معذور، وعذره أنه لو كان يعلم الغيب، لاستكثر من الخير وما مسه السوء، وهذا المعنى وحدَه كفيل بتخفيف الابتلاء، وترك التفكير فيه، حقا إن الإنسان لمعذور وهو الكائن الضعيف الذي يجهل ضعفه أو ينكره، وما أحرى هذا الكائنَ بالتواضع.


(إلا ما شاء الله)، إن مشيئة الله هي الغالبة، وهي الهادية أيضا للعقول الحائرة، التي أجهدها تفكيرها الطويل، وسعيها الموصول الساعات بالليل والنهار، وما راحتها إلا أن تذكر قول الله:(وما تشاءون إلا أن يشاء الله إن الله كان عليما حكيما)، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وهذه الحوقلة كما أخبر رسول الله، كنز لا من كنوز الأرض بل من كنوز الجنة، أنعم الله بها علينا ورزقنا ظلها الظليل.

٠ تعليق

Commentaires


bottom of page