top of page

ضبط المواعيد

أعلمُ أن ضبط المواعيد، موضوعٌ غادره الكتاب منذ زمنٍ، وبات من المواضيع المهجورة، بعد أن يئست النفوس من ضبط المواعيد، وأصبحت عند أغلب الناس، مهملة كالسوائم، تغدو وتروح كيفما شاءت، وكذلك يصنع الإهمال، وكذلك يرتضي الناس لأنفسهم الآفات.

ضبط المواعيد

إن تقديم ساعة، أو تأخير ساعة لا يهم أكثر الناس في مجتمعاتنا، ما كأن الساعة لها نظام، ولا كأنها اخترعت ليُنظَر فيها من أجل ضبط الوقت، والتقيد به، مع أن حياتنا الدنيا تقوم على نظام، والنظام هو كل شيء فيها، وهو يعتمد على الحساب بدقة بالغة، لا تزيد ولا تنقص مقاديره، وبذلك النظام والحساب، تستقيم حياتنا وعالمنا، ولكننا نحن نسمح للفوضى أن تضرب أركان معيشتنا، ثم نشكو من بعدُ الاضطراب والقلق، وتغير المزاج، المؤدي إلى الاعتلال.


الحقيقة أنه ما دام الكون يسير بنظام، فالإنسان يجب عليه أيضا أن يسير بنظام يعم شؤون حياته، وذلك خير له، إن أراد مسايرة الطبيعة، والتعايش معها بهدوء وارتياح.


من المهم أن يكون لك مواعيد، تحرص على المحافظة عليها، تضبط أنشطة وأعمال يومك وليلتك، على قدر ما تستطيع، وتسمح لك ظروف الزمان والمكان، فمثلا إن استطعت أن تأوي إلى فراشك في وقت معلوم فافعل، وإن استطعت أن تنهض منه، في وقت معلوم فافعل.


إن نظرة عاجلة إلى تعاليم ديننا الإسلامي فيما يخص العبادات، ترينا مبلغ اهتمامه بالأوقات والمواعيد، فالصلاة على المؤمنين كتابٌ موقوت، يعظم أجرها عند التزامه بالضبط، وعند أدائها في نطاق حدوده، أما عبادة الصيام، فالشأن فيها أكثر دقة وحسبة، إنه بلسان القرآن، بتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر، وما هذان الخيطان إلا من نسج دقائق الساعات وحركاتها، تراهما عين من وعي الوقت، لا من سها عنه، وكذلك شعائر الحج، تراعى فيها أوقات الشروق والزوال، وترتيب المناسك.


إني أرى ضبط المواعيد، باباً إلى ضبط النفس، وليس في الحياة شيءٌ أحوج إلى الضبط والضوابط من النفس، وذلك أمام ما يصطرع بداخلها، من نوازع وشهوات، وما تواجهه في الحياة من بلايا وخطوب، تزلزل النفوس، والإنسان الشريف هو من ضبط نفسه، أمام شهوة جامحة، وبلية فادحة، ولا يضبط نفسه إلا بعقل يفكر ويحسب، عقل يسير سير الساعة، لا رَيْثٌ ولا عجَلٌ، والحقيقة أن ضبط النفس، هو كلُّ الحكمة والخير.


وهذا القول، بأن ثمة رابطاً بين ضبط المواعيد، وضبط النفس، هو لاعتقادنا بوجود علاقة بين نظام الكون، وحياة الإنسان، تقوم تلك العلاقة على التناسب التوافقي، أو بعبارة أجمل، تقوم على التناغم والانسجام، وكلما كان الإنسان متناغماً ومنسجما مع نظام الكون الدقيق، كان أكثر سعادة ونجاحاً، وعاش حياة صحيحة، لأنه استطاع ضبط إيقاع حياته، على ألحان نظام الكون.


تذكر أن لك يوماً بل ساعةً ستغادر فيها الدنيا، بأوقاتها ومواعيدها وروحاتها وغدَواتها وذكرياتها، لترجعَ إلى خالقك وخالق الكون، وهنالك الحساب على ما فرطت في موعد، وعطّلت من ساعة.

٠ تعليق

Comments


bottom of page