اجتماع لمتخصصين يسلط الضوء على تزايد الإقبال على الخدمات البنكية عبر الإنترنت رغم تنامي جرائم الاحتيال الإلكترونية وتحديات مواجهة تسارع الذكاء الاصطناعي
تقود التقنيات الرقمية الابتكار والتغيير في الصناعة المصرفية، التي تشهد تحولات كبيرة، في حين أصبحت الخدمات المصرفية عبر الهاتف المحمول، والذكاء الاصطناعي وروبوتات الدردشة والخدمات المصرفية المفتوحة والعملات المشفرة ليست سوى عدد قليل من الاتجاهات المصرفية الرقمية التي تعيد تشكيل الصناعة.
إلى ذلك تشكل الخدمات المصرفية الشخصية والخدمات المصرفية الصوتية والأمن السيبراني، صورة الصناعة المصرفية في الأعوام المقبلة، في ظل مطالبة العملاء بشكل متزايد بخدمات مصرفية أكثر ابتكاراً وملاءمة، فيما تخاطر البنوك التي تتباطأ في تبني هذه الاتجاهات بخسارة العملاء.
وتشير التوقعات إلى نمو سوق البرمجيات المصرفية الأساسية العالمية من 14.54 مليار دولار للعام الحالي إلى 47.37 مليار دولار بحلول عام 2030، بعدما وصلت قيمة هذه السوق إلى 12.51 مليار دولار عام 2022، بحسب تقرير لـ"فورتشين بيزنس إنسايت".
واليوم تكافح النماذج المصرفية التقليدية لتلبية طلبات العملاء المتزايدة في ظل نمو الرقمنة وتسارع وتيرة الذكاء الاصطناعي، إذ إن أكثر من 70 في المئة من التعاملات المصرفية في العالم تتم اليوم عبر الإنترنت، مما يسلط الضوء على التفضيل المتنامي للخدمات المصرفية الرقمية على رغم ارتفاع جرائم الاحتيال الإلكترونية التي لم تسلم منها البنوك التي استفادت من الرقمنة، إذ مكنتها من خفض الكلفة فلم تعد البنوك بحاجه إلى عشرات الفروع ومئات الموظفين.
"صلة البنوك بالمشهد الرقمي ودعوة البنوك إلى تبني التكنولوجيا التحويلية" كان العنوان العريض لقمة "مستقبل الخدمات المصرفية الأساسية- إصدار عام 2023" التي انطلقت اليوم الثلاثاء في كنغستون في بريطانيا، بمشاركة عدد كبير من البنوك وشركات الخدمات التكنولوجية المصرفية والمتخصصين والمحللين الماليين.
ومثلت القمة منصة مثيرة جمعت قادة الصناعة وأصحاب الرؤى وعشاق التكنولوجيا لاستكشاف التطورات التي تشكل مستقبل الخدمات المصرفية الأساسية، وأشعلت تبادلاً ديناميكياً للأفكار والاستراتيجيات والحلول التحويلية التي تعيد تعريف المشهد المصرفي.
الابتكار والتحول الرقمي في الصناعة المصرفية
ومع التركيز على تعزيز الابتكار وتبني التحول الرقمي وتحسين تجارب العملاء، ناقش المتحدثون في القمة إمكانات التقنيات الناشئة مثل الذكاء الاصطناعي وسلسلة الكتل والخدمات المصرفية المفتوحة، مما يدفع الخدمات المصرفية الأساسية إلى عصر جديد من الكفاءة والمرونة والتكامل، مؤكدين أهمية التركيز على العملاء من خلال تقديم نظرة شاملة للنظام البيئي المصرفي سريع التطور.
وتسارع تطور المنصات المصرفية الأساسية على مدى الأعوام الماضية جاء مدفوعاً بالاتجاهات التكنولوجية المهمة وصعود شركات التقنية المالية وشركات التكنولوجيا الكبرى والمشهد المتغير لتفضيلات العملاء.
واتفق المتخصصون في الصناعة المصرفية خلال محادثاتهم على أن البنوك الناجحة عام 2030 هي من ستتقن تجربة العملاء القائمة على البيانات عبر القنوات التي يدعمها الذكاء الاصطناعي والأتمتة الآلية، وأشاروا إلى أن المستهلكين أصبحوا اليوم أكثر وعياً بقيمة وأهمية بياناتهم الشخصية وأهمية الحفاظ عليها آمنة ومأمونة.
وفي تقرير حديث لشركة المحاسبة العملاقة "كي بي أم جي" حمل عنوان "مستقبل الخدمات المصرفية الرقمية"، قالت إن "صورة الصناعة المصرفية ستكون مختلفة في 2030 عما هي عليه اليوم"، مضيفة أن "بعض ما نراه سيكون تطورياً والبعض الآخر سيكون مختلفاً جذرياً"، وأوضحت أنه "على رغم أن التنبؤات في المستقبل عادة ما تحيط بها الشكوك، إلا أنها على ثقة من مستقبل تنامي التنافسية الرقمية في صناعة الخدمات المصرفية".
إدارة الأخطار المرتبطة بالذكاء الاصطناعي
ومع تسارع وتيرة استخدام الذكاء الاصطناعي في عالم البنوك، يتزايد القلق من التحديات التي تواكب الثورة الذكية، فعلى سبيل المثال لا الحصر لم تعد الأرقام هي "الكود السري" لحساب المودع أو العميل، إذ أصبحت "الهوية الصوتية" هي السائدة لدى معظم البنوك للتعرف إلى هوية صاحب الحساب، مما يفتح الباب على مصراعيه لعمليات الاحتيال من بوابة الذكاء الاصطناعي مثل تقليد صوت موظف البنك أو العميل ومن ثم الوصول إلى الحسابات بلا طلب من العميل.
تلك المخاوف دفعت مسؤول كبير في "البنك المركزي" الأميركي في أبريل (نيسان) الماضي إلى الكشف عن أن الاحتياط الفيدرالي يجري "مناقشات منتظمة" مع البنوك التي يشرف عليها في شأن إدارة الأخطار المرتبطة بالذكاء الاصطناعي، إذ يستخدم مزيد من المؤسسات المالية الذكاء الاصطناعي في تطبيقات خدمة العملاء ومراقبة الاحتيال والاكتتاب.
وفي وقت سابق كان محافظ بنك الاحتياط الفيدرالي الأميركي كريستوفر والر حذر من أنه على رغم أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يجلب كفاءات جديدة للعمليات المصرفية، إلا أنه ينطوي أيضاً على أخطار جديدة، بما في ذلك الصعوبات في اكتشاف المشكلات أو التحيزات في مجموعات البيانات الكبيرة.
وأضاف أن "ما يسمى بالعقود الذكية أو التعاملات ذاتية التنفيذ على سلسلة الكتل أو ’بلوك تشين‘" التي تعتمد نتائجها على مدخلات مبرمجة مسبقاً، يمكن أن تحمل ’وعداً كبيراً" لتحديث تسويات التعاملات، ومع ذلك، أشار إلى أن "العقود الذكية تشكل أيضاً أخطاراً مثل نقاط الضعف والأخطاء السيبرانية".
تحقيق التوازن
وبحسب مسؤول الأمن السيبراني العالمي والمرونة في الموفر الأميركي لخدمات البنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات" كيندريل" كريس لوفغوي، هناك ثلاث طرق تمكن البنوك من حماية نفسها من الجانب المظلم للذكاء الاصطناعي التوليدي، وأوضح "عند التعامل مع عملاء الخدمات المصرفية على مستوى العالم، تتحول معظم المحادثات بسرعة إلى الذكاء الاصطناعي التوليدي، سواء الفرص المثيرة أو أخطار الواقعية"، مضيفاً "في حين أن البنوك حريصة على اعتماد الذكاء الاصطناعي التوليدي لتحسين اكتشاف الاحتيال وزيادة الإنتاجية الداخلية ومواصلة تحويل تجربة العملاء، فإنها مترددة أيضاً في الذهاب إلى ما هو أبعد من التطبيقات التجريبية الضيقة" ومشيراً إلى أن السبب الرئيس لهذا التردد هو "الثقة".
وقال لوفغوي إن "أساس الخدمات المصرفية مبني على الثقة، بينما تساعد التكنولوجيا معظم المؤسسات على تقديم خدمات أسرع وأسهل، فإن التنظيم القوي يوجه كيفية تقديم هذه الخدمات".
وتابع "إضافة إلى ذلك، فإن الأطر والمعايير المقبولة تؤثر عموماً في إدارة الأمن وحماية الخصوصية، فيما تعمل هذه البنية التحتية للعملية والسياسة على خلق الثقة عبر النظام".
ودعا لوفغوي البنوك التي تتطلع إلى التعامل مع مشاريع الذكاء الاصطناعي إلى ضرورة النظر في معايير هذا الذكاء والانتباه إلى الأخطار، قائلاً "في حين أن الذكاء الاصطناعي جذاب للغاية وذو نوايا حسنة، إلا أن لديه أيضاً القدرة على إحداث الفوضى إذا لم يتم توجيهه وإدارته بشكل صحيح".
ودعا أيضاً إلى وضع حواجز الحماية والحوكمة المناسبة منذ البداية حتى يعمل الذكاء الاصطناعي كرفيق موثوق به في النظام المصرفي العالمي، مؤكداً أنه من الأهمية بمكان أن تعمل هذه الحواجز على تحقيق التوازن بشكل مناسب بين إدارة الأخطار وتمكين الابتكار والنمو المستدامين.
الخدمات المصرفية الرقمية "معيار الصناعة"
ويرى متخصصو الصناعة المصرفية أنه مع إدخال التقنيات الرقمية، شهدت الصناعة المصرفية تحولاً كبيراً على مر السنين، فمع ظهور الخدمات المصرفية الرقمية، يمكن للعملاء الآن الوصول إلى الخدمات المصرفية من أي مكان وفي أي وقت، مما يجعل الصناعة أكثر كفاءة وملاءمة، مضيفين أنه مع انتشار التقنيات الرقمية، فإن الخدمات المصرفية الرقمية تسير على الطريق الصحيح لتصبح معيار الصناعة.
المصرفية عبر الهاتف المحمول
كما تحدث المتخصصون في الصناعة عن زيادة شعبية الخدمات المصرفية عبر الهاتف المحمول خلال الأعوام الأخيرة، إذ يفضل العملاء إجراء التعاملات المصرفية على هواتفهم الذكية.
وأشاروا إلى أن الخدمات المصرفية عبر الهاتف المحمول صارت خياراً شائعاً لعدد من العملاء نظراً إلى سهولة استخدامها، لافتين إلى توقعات "ستاتيستا" بأن يصل عدد مستخدمي الخدمات المصرفية عبر الهاتف المحمول إلى 1.75 مليار مستخدم بحلول عام 2024.
ولكن في الوقت نفسه حذروا من أن البنوك البطيئة في اعتماد الخدمات المصرفية عبر الهاتف المحمول تخاطر بخسارة العملاء مع تزايد شعبية الخدمات المصرفية عبر الهاتف المحمول.
الذكاء الاصطناعي وروبوتات الدردشة
واتفق المجتمعون على أن الذكاء الاصطناعي وروبوتات الدردشة أحدثا تحولاً في الصناعة المصرفية من خلال تزويد العملاء بتجارب مصرفية متخصصة، إذ أصبحت "تشات بوتس" (Chatbots) جزءاً رئيساً من خدمة العملاء وتقدم المساعدة على مدار الساعة وتحل استفسارات العملاء على الفور.
الخدمات المصرفية الصوتية
وهناك اتجاه آخر من المرجح أن يشكل مستقبل الخدمات المصرفية وهو الخدمات المصرفية الصوتية، إذ بات المساعدون الصوتيون مثل" أليكسا" من "أمازون" و"غوغل أسيستانت" أكثر انتشاراً، ويمكن للعملاء استخدام الأوامر الصوتية لإجراء التعاملات المصرفية، مما يجعل الخدمات المصرفية أكثر سهولة.
الخدمات المصرفية المفتوحة
وعرج المتحدثون كذلك على ملف الخدمات المصرفية المفتوحة التي تلقى اتجاهاً متنامياً في الصناعة المصرفية والتي تسمح لمقدمي الخدمات الخارجيين بالوصول إلى بيانات العملاء عبر واجهات برمجة التطبيقات المفتوحة، مما يتيح للبنوك التعاون مع شركات التكنولوجيا المالية ويسمح للعملاء بالوصول إلى مجموعة متنوعة من الخدمات المالية من خلال منصة واحدة، ولأنها تسمح للعملاء بالوصول إلى مجموعة متنوعة من الخدمات المالية من خلال منصة واحدة، فإن الخدمات المصرفية المفتوحة لديها القدرة على إحداث تحول في الصناعة المصرفية، بحسب رأيهم.
وخلص المتحاورون إلى أن مستقبل الخدمات المصرفية رقمي، إذ تلعب التكنولوجيا دوراً حاسماً في تحويل الصناعة مع اكتساب البنوك الرقمية شعبية، خصوصاً بين جيل الألفية الذي يفضل إجراء التعاملات المصرفية عبر الإنترنت.
لكنهم في النهاية حذروا أنه في ظل تزايد شعبية الخدمات المصرفية الرقمية، سيصبح الأمن السيبراني أكثر أهمية، لذا ستحتاج البنوك بغية حماية بيانات العملاء ومنع الهجمات السيبرانية إلى الاستثمار في تدابير الأمن السيبراني المتقدمة، ولتحديد ومنع الاحتيال سيتم استخدام التقنيات المتقدمة مثل المصادقة البيومترية والذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي.
Commenti